احجز جلسة
  • الرئيسية
انضم لنا
عودة لصفحة المقالات
من رهاب اتخاذ القرار إلى فنياته!
استشارة عامة

قيل أن حياتنا الان هي حصيلة قرارات سابقة تم اتخاذها " سواء من طرفنا أو من طرف شخص آخر ... فإما أن تتخذ القرار وتخطط لحياتك، أو تصبح جزء من خطة و قرارات الآخرين..

 

بادئ ذي بدء ...

ما هو الرهاب phobia ؟!

الرهاب هو خوف شديد وغير عقلاني من شيء أو موقف معين، لا يشكل في الواقع أي خطر، يصل هذا الخوف لدرجة الهلع أو الذعر panic مع موقف أو شيء محدد، يجعل من يعاني منه أمام خيارين إما التخلص منه بالمواجهة أو تجنب التعرض له مرة أخرى (الكلام جدا دقيق)، وكثيراً ما يؤدي التجنب إلى تأذي في أحد مناحي الحياة أو في جميعها، لتصبح معادلة الرهاب كالتالي:

الرهاب phobia = خوف / هلع panic + تجنب avoidant => تأذي

مثلا رهاب القطة ينشأ عادة من خوف يصل لدرجة الهلع من القطة، ثم يأتي قرار تجنب الاقتراب من القطط، يسبب أذى لأدوار الإنسان في الحياة مختلف نوعاً وكماً إذا ما قارنه بالرهاب الاجتماعي (رهاب مواجهة الناس) أو رهاب ركوب السيارة ورهاب المرتفعات أو المصاعد أو المكان المغلق ... وهكذا ...

عموماً ومن وجهة أخرى الرهابات المحددة تعتبر من أشيع الاضطرابات النفسية عند الأطفال، في كل أنحاء العالم... حيث يعاني ما يقدر بنحو 12.5% ​​من البالغين في أمريكا من رهاب محدد في وقت ما من حياتهم..

 

ما هو رهاب اتخاذ القرار Decidophobia ؟

من منظور الصحة العقلية، يتم تصنيف رهاب اتخاذ القرارات على أنه رهاب محدد، تحت مظلة اضطرابات القلق. وهو اضطراب تحدث عنه لأول مرة بهذا المسمى الفيلسوف الألماني المعاصر والتر كوفمان في كتابه «بدون ذنب ولا عدالة، من رهاب اتخاذ القرار إلى الاستقلالية الفردية» عام ١٩٧٣م.

 هذا الاضطراب يجعل صاحبه غير قادر على اتخاذ قرار بسبب جموح الخوف من عواقبه المحتملة كما يتصورها هو، وربما وبعبارة أدق في سياق هذا المقال: الخوف من احتمالات المساءلة والمحاسبة.

مشيل أوباما زوجة الرئيس السابق أوباما عن فحوى هذا الرهاب بعبارات بسيطة حينما قالت "لا يمكنك اتخاذ أي قرار بناءً على مخاوفك واحتمالات ما قد يحدث لك"

 

ما هي أسباب رهاب اتخاذ القرار؟!

الدماغ كجزء من الجهاز العصبي هو الحامل الأساسي والراعي الرسمي للحالة النفسية من مشاعر وأفكار وقرارات سلوكية، فمن المسؤول عن اتخاذ القرار في هذا الجهاز؟!

بشكل رئيسي المنطقة مقدم الجبهية prefrontal cortex أو ما يدعى لغةً "الناصية" بالتعاون المكثّف والمعقد مع أجزاء أخرى من القشرة المخية الغاية في الذكاء والتعقيد ...

متى تضطرب هذه المنطقة ويضطرب معها عملية اتخاذ القرار ؟

 بشكل عام لما تتفعّل المنطقة العاطفية في الدماغ، وهي الجهاز الحوفي Limbic system الموجود في قلب (فؤاد) الدماغ..

هذه المنطقة مسؤولة عن إدارة العواطف (من أهمها القلق والخوف والغضب ..) والشهوات ( كشهوة الطعام والشهوة الجنسية) ..

في حالة كان الإنسان في حالة عاطفية محددة يكون الجهاز الحوفي بوضعية ON تكون القشرة الدماغية العاقلة الذكية في وضعية OFF

وهذا يحصل في الأحوال الطبيعية للبشر، وفي حالات مرضية من أهمها حالات الاكتئاب والقلق الشديد والاضطرابات المتعلقة بالصدمات، وعند بعض أنواع اضطرابات الشخصية بصورة أكبر وأوضح بكثير من غيرهم، مثل اضطراب الشخصية التجنبية أو اضطراب الشخصية القلقة الوسواسية ...

تسيطر حينها على الدماغ حالة الضبابية اللاتحديد فيرتبك ويصاب بالشلل ليتخذ أي قرار ...

من وجهة تحليلة تربوية الأم ( أو الأب ) الذي يغلب على تعاملهم مع طفلهم في سنواته الست الأولى القسوة الشديدة والانتقاد المفرط أو فرط الحماية والمثالية والكمالية في التعامل قد يرسب عند الطفل لما يكبر صعوبة تصل لدرجة رهاب اتخاذ القرار، لخوفه من الانتقاد أو نشوده وإصراره على الكمال في اتخاذ القرار، بأن يكون قراره صحيح 100%!!!

 

مآلات رهاب اتخاذ القرار

قد يتحول رهاب اتخاذ القرار من مجرد اضطراب شخصي إلى أزمة حقيقية أخطر من أزمة كورونا، حينما يتحور من نسخته الفردية إلى نسخة أسرية أو مجتمعية أو مؤسسية، فقد يصيب الجهات المسؤولة عن إدارة قطاعات الدولة الحيوية، إذ يغدو المواطن رهيناً لمدى جسارة الإدارة على اتخاذ قرار موضوعي غير خاضع للخوف المرضي من نتائجه واحتمال المساءلة عنها.

كما هو معلوم للجميع أن إدارة أزمة جائحة كورونا وخاصةً في بدايتها بالرهاب المؤسسي في اتخاذ القرار..

ويجب أن نعلم أن في الطرف النقيض ولكن الآخر من Decidophobia رهاب اتخاذ القرار هو الاندفاعية في اتخاذ القرار، أي اتخاذ القرار بشكل متعجّل دونما تروي بشكل عاطفي أو انفعالي ...

 

ما هو الحل إذاً ؟!

دوماً وكقاعدة علاجية عامة يتم حل كل أنواع الرهابات بالتعرض لها تدريجياً (نزع الحساسية التدريجي) واحياناً بالغمر، في حالة رهاب اتخاذ القرار أيضاً بالمواجهة وتعلم فنيات اتخاذ القرار decision making techniques

لأن " أسوأ قرار ألا تتخذ أي قرار"


لما نصل في مسار هام أو خطير في حياتنا الحالية، إلى مرحلة اتخاذ القرار، ونشعر أننا في طريق مسدود !!! ماذا نفعل؟!

اتبع الخطوات الخمسة التالية وما فيها من فنيات رائعة ...


1) مرحلة جمع المعلومات > اقرأْ: من خلال القراءة الواعية والسؤال المستنير من مصادر صحيحة ومحدّثة، يجب جمع معلومات كثيرة عن القرار الذي سنتخذه ...


2) مرحلة التسجيل > اكتب: استعمل واستعَلَّمَ بِالْقَلَمِ وفتش عما لا تعلم، لا تجعل الأفكار في رأسك سجلها على الورق!


3) مرحلة الإبداع في خلق الحلول > اعصر مخك: واستشر غيرك، لاستخراج أفكار إبداعية و حلول غير تقليدية (العصف الذهني brain storming)، لا تقع بين خيارين إما / أو، فهي خيارات الحمقى، فليكن لديك خيارات كثيرة على الأقل ثلاثة وأكثر، ولا بأس أن تكون مشتقة من إما / أو أو غريبة عنها ... سيساعدك تأمل الجمال من حولك، في مكان جديد غير معتاد، في جلسة صفا، لخلق حلول وأفكار جديدة..


4) مرحلة التنقية > قيّم البنود: لكل قرار سلبيات وإيجابيات، عيوب وميزات، تسهيلات ومصاعب..... إلخ

ضع معايير للاختيار بين الحلول أو القرارات، وضع نقاط (من10 أو 3 مثلاً) لكل ميزة او عيب من بنود كل قرار، لتتوج هذه المرحلة برقم أو درجة scoring لكل قرار، ليصبح اتخاذ القرار مشروعاً عقلانياً نهايته رقم، و-وليس شعوراً وارتباكاً وتجنباً.

5) مرحلة الاتصال بالمقدّس > استخر: اتصل بالمقدس لديك، الله تعالى القدوس، وخطط والنهاية في ذهنك، حدد ماذا تريد دوماً بسؤال قلبك واستعراض نيتك!


واعلم في النهاية أنه لا يوجد "قرار صحيح 100% و لا يوجد قرار خاطئ 100%"، بل يوجد دوماً قرار تغلب فيه الإيجابيات على السلبيات وفق ما نراه في لحظة اتخاذ القرار، فلكي نسعد في قراراتنا الحالية ولا نندم عليها، نضع الإيجابيات في أنفسنا، ونوكل العقل مهمة التعامل مع السلبيات ووضع حلول تكيفية معها، بل والتعلم منها لقرارات مستقبلية قادمة لا محالة...